عليه عند أهل الشام، ويضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد كان غمصه (1) عندهم بأنه قتل عثمان، ومالأ على قتله، وأنه قتل طلحة والزبير، وأسر عائشة، وأراق دماء أهل البصرة. وبقيت خصلة واحدة، وهو إن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة، وأنهما وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبى بكر، وأنه أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبى بكر، فكان الجواب مجمجما (2) غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما، ولا التصريح ببراءتهما، وتارة يترحم عليهما، وتارة يقول أخذا حقي وقد تركته لهما، فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه، ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه. وقال له عمرو: إن عليا رجل نزق تياه، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبى بكر وعمر، فاكتب. فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد أن عزم على بعثته مع أبي الدرداء.
ونسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب.
أما بعد، فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا عليه السلام لرسالته، واختصه بوحيه وتأدية شريعته، فأنقذ به من العماية، وهدى به من الغواية، ثم قبضه إليه رشيدا حميدا، قد بلغ الشرع، ومحق الشرك، وأخمد نار الإفك، فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه. ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه السلام بأصحاب أيدوه وآزروه ونصروه