أن آكل معه حتى إذا قضى من أكله وحاجته وطرا وثب إلى طين ملقى في الدار، فغسل به يده، ثم صاح: يا جارية، اسقيني ماء، فأتته بماء، فشربه ومسح فضله على وجهه، ثم قال: الحمد لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم! ثم قال:
علي بردائي، فأتته برداء عدني (1) فارتدى به على تلك الشملة. قال الأصمعي: فتجافيت عنه استقباحا لزيه، فلما دخل المسجد صلى ركعتين، ثم مشى إلى القوم، فلم تبق حبوة إلا حلت إعظاما له، ثم جلس فتحمل جميع ما كان بين الاحياء في ماله ثم انصرف (2).
قال أبو العباس: وحدثني أبو عثمان المازني، عن أبي عبيدة، قال: لما أتى زياد بن عمرو المربد في عقب قتل مسعود بن عمرو العتكي، وجاء زياد بن عمرو بن الأشرف العتكي ليثأر به من بني تميم، صف أصحابه فجعل في الميمنة بكر بن وائل، وفي الميسرة عبد القيس، وهم لكيز بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، وكان زياد بن عمرو العتكي في القلب، فبلغ ذلك الأحنف بن قيس، فقال: هذا غلام حدث شأنه الشهرة، وليس يبالي أين قذف بنفسه! فندب أصحابه، فجاءه حارثة بن بدر الغداني، وقد اجتمعت بنو تميم، فلما أتى (3) قال: قوموا إلى سيدكم، ثم أجلسه فناظره، فجعلوا سعدا والرباب في القلب ورئيسهم عبس بن طلق الطعان المعروف بأخي كهمس، وهو أحد بنى صريم بن يربوع، فكانوا بحذاء زياد بن عمرو ومن معه من الأزد، وجعل حارثة بن بدر الغداني، في بنى حنظلة بحذاء بكر بن وائل، وجعل عمرو بن تميم بحذاء عبد القيس، فذلك حيث يقول حارثة بن بدر للأحنف:
سيكفيك عبس أخو كهمس * مقارعة الأزد في المربد (4) ويكفيك عمرو على رسلها * لكيز بن أفصى وما عددوا