بعض، ولئن كنا قد غلبنا على عقولنا لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى، ونصلح به ما بقي، وقد كنت سألتك الشام على أن تلزمني لك بيعة وطاعة، فأبيت ذلك علي، فأعطاني الله ما منعت، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو، ولا أخاف من الموت إلا ما تخاف، وقد والله فارقت الأجناد، وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف، ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز، ولا يسترق به حر، والسلام.
فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي عليه السلام قرأه، ثم قال: العجب لمعاوية وكتابه! (1 ودعا عبيد بن أبي رافع كاتبه، فقال: أكتب جوابه 1).
أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، فإني لو قتلت في ذات الله، وحييت، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله، وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى، فإني ما نقصت عقلي، ولا ندمت على فعلي. وأما طلبك الشام فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست أمضى على الشك منى على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك: إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض!
فلعمري إنا بنو أب واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز وأعززنا بها الذليل. والسلام.
فلما أتى معاوية كتاب علي عليه السلام كتمه عن عمرو بن العاص أياما، ثم دعاه