ابن وبرة افتخرت بينها في أنديتها، فقالت: نحن لباب العرب وقلبها، ونحن الذين لا ننازع حسبا وكرما. فقال شيخ منهم: إن العرب غير مقرة لكم بذلك، إن لها أحسابا، وإن منها لبابا، وإن لها فعالا، ولكن ابعثوا مائة منكم في أحسن هيئة وبزة ينفرون من مروا به في العرب ويسألونه عشر ديات، ولا ينتسبون له، فمن قراهم وبذل لهم الديات فهو الكريم الذي لا ينازع فضلا، فخرجوا حتى قدموا على أرض بنى تميم وأسد، فنفروا الاحياء حيا فحيا، وماء فماء، لا يجدون أحدا على ما يريدون، حتى مروا على أكثم بن صيفي، فسألوه ذلك، فقال من هؤلاء القتلى؟ ومن أنتم؟ وما قصتكم؟ فإن لكم لشأنا باختلافكم في كلامكم! فعدلوا عنه، ثم مروا بقتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي، فسألوه عن ذلك، فقال من أنتم؟ قالوا: من كلب بن وبرة. فقال: إني لأبغي كلبا بدم، فإن انسلخ الأشهر الحرم وأنتم بهذه الأرض وأدرككم الخيل نكلت بكم وأثكلتكم أمهاتكم، فخرجوا من عنده مرعوبين، فمروا بعطارد بن حاجب بن زرارة، فسألوه ذلك، فقال: قولوا بيانا وخذوها، فقالوا: أما هذا فقد سألكم قبل أن يعطيكم فتركوه، ومروا ببني مجاشع بن دارم فأتوا على واد قد امتلأ إبلا فيها غالب بن صعصعة يهنأ (1) منها إبلا، فسألوه القرى والديات، فقال هاكم البزل قبل النزول فابتزوها من البرك وحوزوا دياتكم، ثم أنزلوا، فتنزلوا وأخبروه بالحال، وقالوا: أرشدك الله من سيد قوم، لقد أرحتنا من طول النصب، ولو علمنا لقصدنا إليك، فذلك قول الفرزدق:
فلله عينا من رأى مثل غالب * قرى مائة ضيفا ولم يتكلم (2) وإذ نبحت كلب على الناس إنهم * أحق بتاج الماجد المتكرم