فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام، فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، ورموا من فوق الصياصي والآطام - وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية، فهي كالحصن - فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا، وطلبوا من رسول الله الخروج إلى عدوهم، ورغبوا في الشهادة، وأحبوا لقاء العدو، وقالوا اخرج بنا إلى عدونا، وقال رجل من أهل النبه (1) وأهل السن، منهم حمزة بن عبد المطلب وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وغيرهم من الأوس والخزرج: إنا نخشى يا رسول الله، أن يظن عدونا إنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفرك الله بهم، ونحن اليوم بشر كثير، وكنا نتمنى هذا اليوم، وندعو الله به، فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا هذه - ورسول الله صلى الله عليه وآله لما رأى من الحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتساومون كأنهم الفحول. وقال مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري: يا رسول الله، نحن والله بين إحدى الحسنيين، إما يظفرنا الله بهم، فهذا الذي نريد، فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر، فلا يبقى منهم إلا الشريد، والأخرى يا رسول الله يرزقنا الله الشهادة، والله يا رسول الله، ما نبالي أيهما كان، إن كلا لفيه الخير. فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله رجع إليه قولا، وسكت وقال حمزة بن عبد المطلب: والذي أنزل عليه الكتاب، لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة، وكان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما، ويوم السبت، فلاقاهم وهو صائم.
وقال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بنى سالم: يا رسول الله، أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك، وإني منهم، فلم تحرمنا الجنة فوالله الذي لا إله إلا هو