قال الواقدي: وبلغ النجاشي مقتل قريش وما ظفر الله به (1) رسوله، فخرج في ثوبين أبيضين، ثم جلس على الأرض، ودعا جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فقال أيكم يعرف (2) بدرا فأخبروه فقال أنا عارف بها، قد رعيت الغنم [في] (3) جوانبها، هي من الساحل على بعض نهار، ولكني أردت أن أتثبت منكم، قد نصر الله رسوله ببدر، فاحمدوا الله على ذلك فقال بطارقته: أصلح الله الملك إن هذا شئ لم تكن تصنعه، يريدون لبس البياض والجلوس على الأرض، فقال: إن عيسى بن مريم كان إذا حدثت له نعمة ازداد بها تواضعا (4).
قال الواقدي: فلما رجعت قريش إلى مكة، قام فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال يا معشر قريش، لا تبكوا على قتلاكم، ولا تنح عليهم نائحة، ولا يندبهم شاعر، وأظهروا الجلد والعزاء، فإنكم إذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأكلكم [ذلك] (5) عن عداوة محمد وأصحابه، مع أن محمدا إن بلغه وأصحابه ذلك شمتوا بكم، فتكون أعظم المصيبتين، ولعلكم تدركون ثأركم، فالدهن والنساء على حرام حتى أغزو محمدا. فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر، ولا تنوح عليهم نائحة.
قال الواقدي: وكان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره، وقد كمد على من قتل من ولده، وكان يحب أن يبكى عليهم فتأبى عليه قريش ذلك، فكان يقول لغلامه بين اليومين ويلك احمل معي خمرا، واسلك بي الفج الذي سلكه أبو حكيمة - يعنى زمعة ولده المقتول ببدر - فيأتي به غلامه على الطريق عند ذلك الفج فيجلس، فيسقيه الخمر