قال الواقدي: كان قباث بن أشيم الكناني يقول شهدت مع المشركين بدرا، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء وصاحبني رجل، فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبي: أبك نهوض قال: لا والله ما بي قال: وعقر وترفعت، فلقد صبحت غيقة - قال: وغيقة عن يسار السقيا بينهما وبين الفرع ليلة وبين الفرع والمدينة ثمانية برد - قبل الشمس، كنت هاديا بالطريق، ولم أسلك المحاج (1)، وخفت من الطلب فتنكبت عنها، فلقيني رجل من قومي بغيقة، فقال ما وراءك قلت لا شئ قتلنا وأسرنا وانهزمنا، فهل عندك من حملان قال: فحملني على بعير، وزودني زادا، حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة، وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت إنه تقدم ينعى قريشا بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فتنكبت (2) عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم، وهم يلعنون الخزاعي، ويقولون ما جاءنا بخير فمكث بمكة، فلما كان بعد الخندق، قلت لو قدمت المدينة، فنظرت ما يقول محمد وقد وقع في قلبي الاسلام، فقدمت المدينة، فسألت عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا هو ذاك في ظل المسجد مع ملا من أصحابه، فأتيته وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت فقال يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء قلت اشهد إنك رسول الله، وإن هذا الامر ما خرج منى إلى أحد قط وما ترمرمت (3) به، إلا شيئا حدثت به نفسي، فلو لا إنك نبي ما أطلعك الله عليه، هلم حتى أبايعك فأسلمت (4).
(١٤٩)