قال الواقدي: وقد روى أنه لما توجه المشركون إلى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكة سمارا يسمرون بذي طوى في القمر حتى يذهب الليل، يتناشدون الاشعار و يتحدثون، فبينا هم كذلك إذ سمعوا صوتا قريبا منهم ولا يرون القائل، رافعا صوته يتغنى:
أزاد الحنيفيون بدرا مصيبة * سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أرنت لها صم الجبال وأفزعت * قبائل ما بين الوتير فخيبرا (1) أجازت جبال الأخشبين وجردت * حرائر يضربن الترائب حسرا (2).
قال الواقدي: انشدنيه (3)، ورواه لي عبد الله بن أبي عبيدة، عن محمد بن عمار بن ياسر، قال: فاستمعوا الصوت، فلا يرون أحدا، فخرجوا في طلبه، فلم يروا أحدا، فخرجوا فزعين، حتى جازوا الحجر، فوجدوا مشيخة منهم جلة سمارا، فأخبروهم الخبر، فقالوا لهم إن كان ما تقولون، فإن محمدا وأصحابه يسمون الحنيفية قال: فلم يبق أحد من الفتيان الذين كانوا بذي طوى إلا وعك، فما مكثوا إلا ليلتين أو ثلاثا، حتى قدم الحيسمان (4) الخزاعي بخبر أهل بدر، ومن قتل منهم، فجعل يخبرهم، فيقول قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وقتل ابنا الحجاج وأبو البختري، وزمعة بن الأسود - قال:
وصفوان بن أمية في الحجر جالس يقول لا يعقل هذا شيئا مما يتكلم به سلوه عنى، فقالوا صفوان بن أمية لك به علم قال: نعم، هو ذاك في الحجر، ولقد رأيت أباه وأخاه مقتولين، ورأيت سهيل بن عمرو والنضر بن الحارث أسيرين، رأيتهما مقرونين في الحبال (5).