أهل يثرب، فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فإن أبوا عليك فلا يأبون خصلة واحدة، يردون القيان (1). فعالج قيس بن امرئ القيس قريشا، فأبت الرجوع قالوا أما القيان فسنردهن، فردوهن من الجحفة (2).
قلت لا أعلم مراد أبي سفيان برد القيان، وهو الذي أخرجهن مع الجيش يوم أحد يحرضن قريشا على أدراك الثأر، ويغنين، ويضربن الدفوف، فكيف نهى عن ذلك في بدر وفعله في أحد وأقول من تأمل الحال علم أن قريشا لم يمكن أن تنتصر يوم بدر، لان الذي خالطها من التخاذل والتواكل وكراهية الحرب وحب الرجوع وخوف اللقاء وخفوق الهمم وفتور العزائم، ورجوع بنى زهرة وغيرهم من الطريق، واختلاف آرائهم في القتال، يكفي بعضه في هلاكهم وعدم فلاحهم، لو كانوا قد لقوا قوما جبناء، فكيف وإنما لقوا الأوس والخزرج، وهم أشجع العرب، وفيهم علي بن أبي طالب عليه السلام وحمزة بن عبد المطلب، وهما أشجع البشر، وجماعة من المهاجرين أنجاد أبطال، ورئيسهم محمد بن عبد الله، رسول الله، الداعي إلى الحق والعدل والتوحيد، المؤيد بالقوة الإلهية، دع ما أضيف إلى ذلك من ملائكة السماء، كما نطق به الكتاب.
قال الواقدي: ولحق الرسول أبا سفيان بالهدة - والهدة على سبعة أميال من عقبة عسفان، على تسعة وثلاثين ميلا من مكة - فأخبره بمضي قريش، فقال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام، يكره أن يرجع لأنه قد ترأس على الناس وبغى، والبغي منقصة وشؤم، والله لئن أصاب أصحاب محمد النفير ذللنا إلى أن يدخل مكة علينا.
قال الواقدي: وقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكانت بدر موسما