فصاعدا - والنش نصف أوقية وزن عشرين درهما - إلا وقد بعث به معنا ولئن كتمتنا شأن عدونا لا يصالحك رجل من قريش ما بل بحر صوفه (1). فقال مجدي والله ما رأيت أحدا أنكره، ولا بينك وبين يثرب من عدو، ولو كان بينك وبينها عدو لم يخف علينا، وما كنت لأخفيه عنك، إلا إني قد رأيت راكبين أتيا إلى هذا المكان - وأشار إلى مناخ عدى وبسبس - فأناخا به، ثم استقيا بأسقيتهما، ثم انصرفا فجاء أبو سفيان مناخهما، فاخذ أبعارا من أبعار بعيريهما ففتها، فإذا فيها نوى، فقال هذه والله علائف يثرب هذه والله عيون محمد وأصحابه، ما أرى القوم إلا قريبا، فضرب وجه عيره فساحل (2) بها، وترك بدرا يسارا وانطلق سريعا، وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل يطعمون الطعام من أتاهم، وينحرون الجزور، فبينا هم كذلك في مسيرهم إذ تخلف عتبة وشيبة، وهما يترددان، قال أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب لقد خشيت (3) منها، قال الآخر: فاذكرها وذكرها فأدركهما أبو جهل، فقال ما تتحادثون به قالا نذكر رؤيا عاتكة، قال: يا عجبا من بنى عبد المطلب لم يرضوا أن تتنبأ علينا رجالهم حتى تنبأت علينا النساء أما والله لئن رجعنا إلى مكة لنفعلن بهم ولنفعلن قال عتبه: إن لهم أرحاما وقرابة قريبة ثم قال أحدهما لصاحبه: هل لك أن ترجع قال أبو جهل: أترجعان بعد ما سرنا فتخذلان قومكما، وتقطعان بهم بعد أن رأيتم ثأركم بأعينكم أتظنان أن محمدا وأصحابه يلاقونكما كلا والله، إن معي من قومي مائة وثمانين كلهم من أهل بيتي يحلون إذا أحللت، ويرحلون إذا رحلت، فارجعا إن شئتما قالا والله لقد هلكت وأهلكت قومك.
ثم قال عتبة لأخيه شيبة: إن هذا رجل مشئوم - يعنى أبا جهل - وإنه لا يمسه من قرابة محمد ما يمسنا، مع أن محمدا معه الولد فارجع بنا ودع قوله (4).