فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول الله، إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا، ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته، وأعد عدته، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال:
يا رسول الله لأمر الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها ﴿أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون﴾ (1)، ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا.
قال الواقدي: برك الغماد من وراء مكة بخمس ليال من وراء الساحل مما يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا، ودعا له بخير، ثم قال صلى الله عليه وآله: أشيروا على أيها الناس - وإنما يريد الأنصار، وكان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أشيروا على، فقام سعد بن معاذ، فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا قال: أجل، قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوحى إليك، وإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل، وصل من شئت، وخذا من أموالنا ما أردت، فما أخذته من أموالنا أحب إلينا مما تركت، والذي نفسي بيده ما سلكت هذه الطريق قط، وما لي بها من علم، وإنا لا نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عينك (2).