قريش فقالوا خلف هذا الكثيب الذي ترى، قال: كم هم قالوا كثير، قال: كم عددهم قالوا: لا ندري، قال: كم ينحرون قالوا يوما عشرة ويوما تسعة، فقال القوم:
ما بين الألف والتسعمائة، ثم قال للسقاء: كم خرج من أهل مكة قالوا لم يبق أحد به طعم إلا خرج، فاقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الناس، فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها، ثم سألهم رسول الله صلى الله عليه وآله هل رجع منهم أحد قالوا نعم رجع ابن أبي شريق ببني زهرة، فقال صلى الله عليه وآله راشدهم (1)، وما كان برشيد، وإن كان ما علمت لمعاديا لله ولكتابه. ثم قال: فأحد غيرهم قالوا نعم بنو عدى بن كعب، فتركهم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال لأصحابه: أشيروا على في المنزل، فقال الحباب بن المنذر:
يا رسول الله، أرأيت منزلك هذا، أهو منزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال:
فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى مياه القوم، فإني عالم بها وبقلبها، فإن بها قليبا قد عرفت عذوبة مائها، وماؤها كثير لا ينزح، نبني عليها حوضا، ونقذف فيها بالآنية فنشرب، ونقاتل ونعور (2) ما سواها من القلب.
قال الواقدي: فكان ابن عباس يقول: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله فقال:
الرأي ما أشار به الحباب فقال: يا حباب، أشرت بالرأي، ونهض وفعل كذلك (3).
قال الواقدي: وبعث الله السماء، وكان الوادي دهسا - أي كثير الرمل - فأصاب المسلمين ما لبد الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشا ما لم يقدروا معه أن يرتحلوا منه، وإنما بين الطائفتين قوز من رمل.
قال الواقدي: وأصاب المسلمين تلك الليلة النعاس ألقى عليهم، فناموا ولم يصبهم من المطر ما يؤذيهم.