ونزل القرآن ناطقا بفضلهم، وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر وعمر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أحدث أحداثا نقمناها عليه، فأتيناه فاستعتبناه فأعتبنا، فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الأمة أمرها غصبا بغير رضا منها ولا مشورة، فقتله وساعده على ذلك قوم غير أتقياء والا أبرا، فقتل محرما بريئا تائبا. وقد جئناكم أيها الناس نطلب بدم عثمان. وندعوكم إلى الطب بدمه، فإن نحن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به، وجعلنا هذا الامر شورى بين المسلمين، وكانت خلافة رحمة للأمة جميعا، فإن كل من أخذ الامر من غير رضا من العامة ولا مشورة منها ابتزازا، كان ملكه ملكا عضوضا، وحدثا كثيرا.
ثم قام الزبير، فتكلم بمثل كلام طلحة.
فقام إليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما: ألم تبايعا عليا فيمن بايعه؟ ففيم بايعتما ثم نكثتما! فقالا: ما بايعنا، وما لأحد في أعناقنا بيعة، وإنما استكرهنا على بيعة.
فقال ناس: قد صدقا وأحسنا القول، وقطعا بالثواب. وقال ناس: ما صدقا ولا أصابا في القول، حتى ارتفعت الأصوات.
قال: ثم أقبلت عائشة على جملها، فنادت بصوت مرتفع: أيها الناس، أقلوا الكلام واسكتوا، فأسكت الناس لها، فقالت:
إن أمير المؤمنين عثمان قد كان غير وبدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة، حتى قتل مظلوما تائبا، وإنما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة، فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد، ذبحا كما يذبح الجمل. ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها إياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا