في العلم واستحق أن يوصف بذلك ويشار إليه فيه، كذلك لا يهلك بعدوله عنه إلا من هو أعظم الهالكين، ومن يشار إليه بالهلاك، وقد بلغ الغاية في الهلاك.
ثم قال: " إن المبتدعات المشبهات هن المهلكات " المبتدعات: ما أحدث ولم يكنى على عهد الرسول. والمشبهات: التي تشبه السنن وليست منها، أي المشبهات بالسنن. وروى: " المشبهات " بالكسر، أي المشبهات على الناس، يقال: قد شبه عليه الامر، أي ألبس عليه، ويروى: " المشتبهات " أي الملتبسات، لا يعرف حقها من باطلها.
قال: " إلا من حفظ الله " أي من عصمه الله بألطاف يمتنع لأجلها عن الخطأ.
ثم أمرهم بلزوم الطاعة، واتباع السلطان، وقال: إن فيه عصمة لامركم. فأعطوه طاعتكم غير ملومة، أي مخلصين ذوي طاعة محضة لا يلام باذلها، أي لا ينسب إلى النفاق.
ولا مستكره بها أي ليست عن استكراه، بل يبذلونها اختيارا ومحبة ويروى:
" غير ملوية " أي معوجة، من لويت العود.
ثم أقسم إنهم إن لم يفعلوا وإلا نقل الله عنهم سلطان الاسلام - يعنى الخلافة - ثم لا يعيده إليهم أبدا، حتى يأرز الامر إلى غيرهم، أي حتى ينقبض وينضم ويجتمع، وفى الحديث: " إن الاسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " (1).
فإن قلت: كيف قال: إنه لا يعيده إليهم أبدا، وقد عاد إليهم بالخلافة العباسية؟
قلت: لان الشرط لم يقع، وهو عدم الطاعة، فإن أكثرهم أطاعوه طاعة غير ملومة ولا مستكره بها، وإذا لم يتحقق الشرط لم يتحقق المشروط.