واستحق به التقدم والفضل عليهم أجمعين، وذلك لان الخاصة التي يتميز بها الانسان عن البهائم هي العقل والعلم، ألا ترى أنه يشاركه غيره من الحيوانات في اللحمية والدموية والقوة والقدرة، والحركة الكائنة على سبيل الإرادة والاختيار، فليس الامتياز إلا بالقوة الناطقة، أي العاقلة العالمة، فكلما كان الانسان أكثر حظا منها، كانت إنسانيته أتم ومعلوم أن هذا الرجل انفرد بهذا الفن، وهو أشرف العلوم، لان معلومه أشرف المعلومات، ولم ينقل عن أحد من العرب غيره في هذا الفن حرف واحد، ولا كانت أذهانهم تصل إلى هذا، ولا يفهمونه بهذا الفن فهو (1) منفرد فيه، وبغيره من الفنون - وهي العلوم الشرعية - مشارك لهم، وراجح (2) عليهم، فكان أكمل منهم، لأنا قد بينا أن الأعلم أدخل في صورة الانسانية، وهذا هو معنى الأفضلية.
* * * الأصل:
منها:
أيها المخلوق السوي، والمنشأ المرعى في ظلمات الأرحام ومضاعفات الأستار.
بدئت من سلالة من طين، ووضعت في قرار مكين، إلى قدر معلوم، وأجل مقسوم، تمور في بطن أمك جنينا لا تحير دعاء، ولا تسمع نداء. ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وحرك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك!
هيهات! إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات، فهو عن صفات خالقه أعجز، ومن تناوله بحدود المخلوقين أبعد.
* * *