ثم قال: " وهلم الخطب " هذا يقوى رواية من روى عنه أنه عليه السلام لم يستشهد إلا بصدر البيت، كأنه قال: دع عنك ما مضى وهلم ما نحن الان فيه من أمر معاوية فجعل " هلم ما نحن فيه من أمر معاوية " قائما مقام قول امرئ القيس * ولكن حديثا ما حديث الرواحل * وهلم، لفظ يستعمل لازما ومتعديا، فاللازم بمعنى " تعال " قال الخليل: أصله " لم " من قولهم: " لم الله شعثه " أي جمعه كأنه أراد " لم نفسك إلينا " أي اجمعها وأقرب منا، وجاءت " ها " للتنبيه قبلها، وحذفت الألف لكثرة الاستعمال، وجعلت الكلمتان كلمة واحدة، يستوي فيها الواحد والاثنان والجمع والمؤنث والمذكر في لغة أهل الحجاز قال سبحانه: ﴿والقائلين لإخوانهم هلم إلينا﴾ (١) وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين: " هلما " وللجمع: " هلموا " وعلى ذلك. وقد يوصل إذا كان لازما باللام، فيقال:
هلم لك، وهلم لكما، كما قالوا: هيت لك، وإذا قيل لك: هلم إلى كذا أي تعال إليه قلت: لا أهلم مفتوحة الألف والهاء مضمومة الميم، فأما المتعدية فهي بمعنى " هات " تقول: هلم كذا وكذا، قال الله تعالى: ﴿هلم شهداءكم﴾ (2) وتقول لمن قال لك ذلك: لا أهلمه، أي لا أعطيكه، يأتي بالهاء ضمير المفعول ليتميز من الأولى.
يقول عليه السلام: ولكن هات ذكر الخطب، فحذف المضاف، والخطب: الحادث الجليل، يعنى الأحوال التي أدت إلى أن صار معاوية منازعا في الرياسة، قائما عند كثير من الناس مقامه، صالحا لأن يقع في مقابلته، وأن يكون ندا له.
ثم قال: " فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه " يشير إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدم من سلف عليه، فلم يقنع الدهر له بذلك، حتى جعل معاوية نظيرا له، فضحك عليه