فإن قلت: إذا كان قوله: " يتفيأ عليه القمر المنير " في موضع جر، لأنه صفة " غسق "، فكيف تتعقب الشمس والقمر مع وجود الغسق؟ وهل يمكن اجتماع الشمس والغسق.
قلت: لا يلزم من تعقب الشمس للقمر ثبوت الغسق. بل قد يصدق تعقبها له ويكون الغسق معدوما، كأنه عليه السلام قال: " لا يخفى على الله حركة في نهار ولا ليل، يتفيأ عليه القمر، وتعقبه الشمس " أي تظهر عقيبه، فيزول الغسق بظهورها.
وهذا التفسير الذي فسرناه يقتضى أن يكون حرف الجر وهو " في " التي في قوله:
" في الكرور " متعلقا بمحذوف، ويكون موضعه نصبا على الحال، أي وتعقبه كارا وآفلا. ويدخل تحته أيضا قوله عليه السلام: " علمه بالأموات الماضين، كعلمه بالاحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلا، كعلمه بما في الأرضين السفلى ".
* * * الأصل الثالث: أنه تعالى قادر لذاته، فكان قادرا على كل الممكنات، ويدخل تحته قوله: " لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل أبدية، بل خلق ما خلق فأقام حده، وصور ما صور فأحسن صورته " والرد في هذا على أصحاب الهيولي والطينة التي يزعمون قدمها. ويدخل تحته قوله: " ليس لشئ امتناع " لأنه متى أراد إيجاد شئ أوجده، ويدخل تحته قوله: " خرت له نحباه " أي سجدت. و " وحدته الشفاه " يعنى الأفواه، فعبر بالجزء عن الكل مجازا، وذلك لان القادر لذاته هو المستحق للعبادة لخلقه أصول النعم. كالحياة والقدرة والشهوة.
* * * واعلم أن هذا الفن هو الذي بان به أمير المؤمنين عليه السلام عن العرب في زمانه قاطبة