وثانيها: أنه ليس لأزليته انقضاء، لأنه لو صح عليه العدم لكان لعدمه سبب، فكان وجوده موقوفا على انتفاء سبب عدمه، والمتوقف على غيره، يكون ممكن الذات، فلا يكون واجب الوجود. وقوله عليه السلام: " هو الأول لم يزل، والباقي بلا أجل " تكرار لهذين المعنيين السابقين على سبيل التأكيد، ويدخل فيه أيضا قوله: " لا يقال له متى، ولا يضرب له أمد بحتى "، لان " متى " للزمان وواجب الوجود يرتفع عن الزمان، و " حتى " للغاية وواجب الوجود لا غاية له: ويدخل أيضا فيه قوله: " قبل كل غاية ومدة وكل إحصاء وعدة ".
وثالثها: أنه لا يشبه الأشياء البتة، لان ما عداه إما جسم أو عرض أو مجرد، فلو أشبه الجسم أو العرض لكان إما جسما أو عرضا، ضرورة تساوى المتشابهين المتماثلين في حقائقهما.
ولو شابه غيره من المجردات - مع أن كل مجرد غيره ممكن - لكان ممكنا، وليس واجب الوجود بممكن، فيدخل في هذا المعنى قوله عليه السلام: " حد الأشياء عند خلقه لها، إبانة له من شبهها " أي جعل المخلوقات ذوات حدود ليتميز هو سبحانه عنها، إذ لأحد له، فبطل أن يشبهه شئ منها. ودخل فيه قوله عليه السلام: " لا تقدره الأوهام بالحدود والحركات، ولا بالجوارح ". والأدوات: جمع أداة وهي ما يعتمد به ودخل فيه قوله: " الظاهر فلا يقال: مم "؟ أي لا يقال: من أي شئ ظهر، و " الباطن فلا يقال: " فيم " أي لا يقال فيما ذا بطن؟ ويدخل فيه قوله: " لا شبح فيقتضى " والشبح: الشخص ويتقصى يطلب أقصاه. ويدخل فيه قوله: " ولا محجوب فيحوى "، وقوله: " لم يقرب من الأشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق " لأن هذه الأمور كلها من خصائص الأجسام وواجب الوجود لا يشبه الأجسام ولا يماثلها. ويدخل فيه قوله عليه السلام: " تعالى عما ينحله المحددون من صفات الاقدار " أي ما ينسبه إليه المشبهة والمجسمة من صفات المقادير وذوات المقادير.