وأما طيرانها من غير ريش، فإنه ليس بذلك الطيران الشديد، وإنما هو نهوض وخفة، أفادها الله تعالى إياه بواسطة الطبيعة، والتصاق الولد بها، لأنها تضمه إليها بالطبع، وينضم إليها كذلك، وتستعين على ضمه برجليها، وبقصر المسافة. وجملة الامر أنه تعجب من عجيب. وفى الأحاديث العامية: قيل للخفاش: لماذا لا جناح لك؟ قال: لأني تصوير مخلوق، قيل: فلماذا لا تخرج نهارا؟ قال: حياء من الطيور، يعنون أن المسيح عليه السلام صوره، وأن إليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني﴾ (1).
وفى الطير عجائب وغرائب لا تهتدي العقول إليها. ويقال: إن ضربين من الحيوان أصمان لا يسمعان، وهما النعام والأفاعي.
وتقول العرب: إن الظليم يسمع بعينه وأنفه، لا يحتاج معهما إلى حاسة أخرى.
والكراكي يجمعها أمير لها كيعسوب النحل، ولا يجمعها إلا أزواجا. والعصافير آلفة للناس آنسة بهم، لا تسكن دارا حتى يسكنها إنسان، ومتى سكنتها لم تقم فيها إذا خرج الانسان منها، فبفراقه تفارق، وبسكناه تسكن. ويذكر أهل البصرة أنه إذا كان زمن الخروج إلى البساتين لم يبق في البصرة عصفور إلا خرج إليها، إلا ما أقام على بيضه وفراخه، وقد يدرب العصفور فيستجيب من المكان البعيد ويرجع.
وقال شيخنا أبو عثمان: بلغني أنه درب فيرجع من ميل. وليس في الأرض رأس أشبه برأس الحية من رأس العصفور، وليس في الحيوان الذي يعايش الناس أقصر عمرا منه، قيل لأجل السفاد الذي يستكثر منه. ويتميز الذكر من الأنثى في العصافير تميز الديك