ورابع عشرها: أنه لا صفة له زائدة على ذاته، ونعني بالصفة ذاتا موجودة قائمة بذاته، وذلك لان من أثبت هذه الصفة له فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، وهذا كلام غامض، وتفسيره أن من أثبت له علما قديما أو قدرة قديمة، فقد أوجب أن يعلم بذلك العلم معلومات محدودة، أي محصورة، وكذلك قد أوجب أن يقدر بتلك القدرة على مقدورات محدودة، وهذه المقدمة ثابتة في كتب أصحابنا المتكلمين مما يذكرونه في تقرير أن العلم الواحد لا يتعلق بمعلومين، وأن القدرة الواحدة لا يمكن أن تتعلق في الوقت الواحد من الجنس الواحد في المحل الواحد إلا بجزء واحد، وسواء فرض هذان المعنيان قديمين أو محدثين، فإن هذا الحكم لازم لهما، فقد ثبت أن من أثبت المعاني القديمة فقد أثبت البارئ تعالى محدود العالمية والقادرية، ومن قال بذلك فقد عده، أي جعله من جملة الجثة المعدودة فيما بيننا كسائر البشر والحيوانات، ومن قال بذلك، فقد أبطل أزله، لان كل ذات مماثلة لهذه الذوات المحدثة، فإنها محدثة مثلها، والمحدث لا يكون أزليا.
وخامس عشرها: أن من قال: " كيف "، فقد استوصفه، أي من قال لزيد: كيف الله؟ فقد استدعى أن يوصف الله بكيفية من الكيفيات، والبارئ تعالى لا تجوز الكيفيات عليه، والكيفيات هي الألوان والطعوم ونحوها، والاشكال والمعاني وما يجرى مجرى ذلك، وكل هذا لا يجوز إلا على الأجسام.
فإن قلت: ينبغي أن يقول: " فقد وصفه "، ولا يقال: " فقد استوصفه "، لان السائل لم يستوصف الله، وإنما استوصف صاحبه الذي سأله عن كيفية الله.
قلت: " استوصف " هاهنا بمعنى " وصف، " كقولك: استغنى زيد عن عمرو، أي غنى عنه، واستعلى عليه أي علا، ومثله كثير.
وسادس عشرها: أن من قال: " أين " فقد حيزه، لان " أين " سؤال عن المكان، وليس الله تعالى في مكان، ويأتي أنه في كل مكان بمعنى العلم والإحاطة.