فيدركها به، وذلك لما قدمناه من أنه حي لذاته، لا بمعنى، فلا يحتاج إلى آلة وأداة ووصلة تكون كالواسطة بينه وبين المدركات.
وعاشرها: أنه الشاهد لا بمماسة، وذلك لان الشاهد منا هو الحاضر بجسمه عند المشهود، ألا ترى أن من في الصين لا يكون شاهدا من في المغرب، لان الحضور الجسماني يفتقر إلى القرب، والقرب من لوازم الجسمية، فما ليس بجسم - وهو عالم بكل شئ - يكون شاهدا من غير قرب ولا مماسة، ولا أين مطلوب.
وحادي عشرها: أنه البائن لا بتراخي مسافة بينونة المفارق عن المادة، بينونة ليست أينية لأنه لا نسبة لأحدهما إلى الاخر بالجهة، فلا جرم كان الباري تعالى مباينا عن العالم، لا بمسافة بين الذاتين.
وثاني عشرها: أنه الظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة، وذلك لأن الظاهر من الأجسام ما كان مرئيا بالبصر، والباطن منها ما كان لطيفا جدا، إما لصغره أو لشفافيته، والباري تعالى ظاهر للبصائر لا للإبصار، باطن، أي غير مدرك بالحواس، لان ذاته لا تقبل المدركية لا من حيث كان لطيف الحجم أو شفاف الجرم.
وثالث عشرها: أنه قال: بان من الأشياء بالقهر لها، والقدرة عليها، وبانت الأشياء منه (1) بالخضوع له، والرجوع إليه، هذا هو معنى قول المتكلمين والحكماء، والفرق بينه وبين الموجودات كلها أنه واجب الوجود لذاته، والأشياء كلها ممكنة الوجود (2) بذواتها، فكلها محتاجة إليه، لأنها لا وجود لها إلا به، وهذا هو معنى خضوعها له، ورجوعها إليه.
وهو سبحانه غنى عن كل شئ، ومؤثر في كل شئ، إما بنفسه، أو بأن يكون مؤثرا فيما هو مؤثر في ذلك الشئ، كأفعالنا، فإنه يؤثر فينا، ونحن نؤثر فيها، فإذا هو قاهر لكل شئ، وقادر على كل شئ. فهذه هي البينونة بينه وبين الأشياء كلها.