والاستكثار منها لحاجته إلى أن يبثها ويفرقها في المواضع التي يقطع بها الميرة الناجم وأصحابه، وأمر بالكتاب إلى عماله في إنفاذ كل من يصلح للإثبات والعرض في الدواوين من الجند والمقاتلة، وأقام ينتظر ذلك شهرا أو نحوه، فوردت المير متتابعة، يتلو بعضها، بعضا، ووردت الآلات والصناع وبنيت المدينة، وجهز التجار صنوف التجارات في الأمتعة، وحملوها إليها، واتخذت بها الأسواق، وكثر بها التجار والمجهزون من كل بلد، ووردت إليها مراكب من البحر، وقد كانت انقطعت لقطع الناجم وأصحابه سبلها قبل ذلك بأكثر من عشر سنين، وبنى أبو أحمد في هذه المدينة المسجد الجامع، وصلى بالناس فيه واتخذ دور الضرب، فضرب بها الدنانير والدراهم، فجمعت هذه المدينة جميع المرافق وسيق إليها صنوف المنافع، حتى كان ساكنوها لا يفقدون فيها شيئا مما يوجد في الأمصار العظيمة القديمة. وحملت الأموال وأدر العطاء على الناس في أوقاته، فاتسعوا وحسنت أحوالهم ورغب الناس جميعا في المصير إلى هذه والمقام بها.
* * * قال أبو جعفر: وأمر الناجم بهبوذ بن عبد الوهاب، فعبر والناس غارون في سميريات إلى طرف عسكر أبى حمزة صاحب الماء، فأوقع به وقتل جماعة من أصحابه، وأسر جماعة وأحرق أكواخا كانت لهم، وأرسل إبراهيم بن جعفر الهمداني - وهو من جملة قواد الناجم - في أربعة آلاف زنجي، ومحمد بن أبان المكنى أبا الحسين - أخا علي بن أبان المهلبي في ثلاثة آلاف والقائد المعروف بالدور في ألف وخمسمائة، ليغيروا على أطراف عسكر أبى أحمد ويوقعوا بهم، فنذر بهم (1) أبو العباس، فنهد إليهم في جمع كثيف من أصحابه، وكانت بينه وبينهم حروب كان الاستظهار فيها كلها له واستأمن إليه جماعة منهم فخلع عليهم، وأمر أن يوقفوا بإزاء مدينة الناجم ليعاينهم أصحابه، وأقام أبو أحمد يكايد الناجم ويبذل