شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٨٣
والعرادات القسي الناوكية، وسائر الآلات على سورها، فرأى ما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان، ورأي من كثرة عدد مقاتلتهم واجتماعهم ما استغلظ أمره.
ولما عاين الزنج أبا أحمد وأصحابه، ارتفعت أصواتهم بما أرتجت له الأرض، فأمر أبو أحمد عند ذلك ابنه أبا العباس بالتقدم إلى سور المدينة، ورشق من عليه بالسهام، ففعل ودنا حتى ألصق شذواته بمسناة قصر الناجم، وانحاز الزنج بأسرهم إلى المواضع الذي دنت منه الشذا. وتحاشدوا، وتتابعت سهامهم وحجارة منجنيقاتهم وعراداتهم ومقاليعهم، ورمى عوامهم بالحجارة عن أيديهم، حتى ما يقع طرف ناظر على موضع إلا رأى فيه سهما أو حجرا.
وثبت أبو العباس فرأى الناجم وأشياعه من جهدهم واجتهادهم وصبرهم ما لا عهد لهم بمثله من أحد ممن حاربهم، وحينئذ أمر أبو أحمد ابنه أبا العباس بالرجوع بمن معه إلى مواقفهم ليروحوا عن أنفسهم، ويداووا جروحهم ففعلوا ذلك، واستأمن في هذه الحال إلى أبى أحمد مقاتلان من مقاتلة السميريات من الزنج، فأتياه بسميرياتهما وما فيها من الملاحين والآلات، فأمر لها بخلع ديباج ومناطق محلاة بالذهب، ووصلهما بمال، وأمر للملاحين بخلع من الحرير الأحمر والأخضر الذي حسن موقعه منهم، وعمهم جميعا بصلاته، وأمر بإدنائهم من الموضع الذي يراهم فيه نظراؤهم، فكان ذلك من أنجع (1) المكايد التي كيد بها صاحب الزنج، فلما رأى الباقون ما صار إليه أصحابهم من العفو عنهم، والاحسان إليهم رغبوا في الأمان، وتنافسوا فيه، فابتدر منهم جمع كثير مسرعين نحوه راغبين فيما شرع لهم منه، فأمر أبو أحمد لهم بمثل ما أمر به لأصحابهم فلما رأى الناجم ركون أصحاب السميريات إلى الأمان، ورغبتهم فيه، أمر برد من كان منهم في دجلة إلى نهر أبى

(1) الطبري: " أنجع ".
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303