شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٧٥
المدينة من جوانبها، وكان الزنج قد حصنوها بخمسة خنادق، وجعلوا أمام كل خندق منها سورا يمتنعون به، فجعلوا يقفون عند كل سور وخندق انتهوا إليه، وأصحاب أبي أحمد يكشفونهم في كل موقف وقفوه، ودخلت الشذا والسميريات مدينتهم مشحونة بالغلمان المقاتلة من النهر الذي يشقها بعد انهزامهم، فأغرقت كل ما مرت به لهم من شذاة أو سميرية واتبعوا من تجافى النهر منهم، يقتلون ويأسرون، حتى أجلوهم عن المدينة وعما يتصل بها، وكان ذلك زهاء فرسخ، فحوى أبو أحمد ذلك كله، وأفلت سليمان بن جامع في نفر من أصحابه، واستحر القتل فيهم والأسر، واستنقذ من نساء أهل واسط وصبيانهم وما اتصل بذلك من القرى ونواحي الكوفة زهاء عشرة آلاف، فأمر أبو أحمد بحياطتهم والانفاق عليهم، وحملوا إلى واسط فدفعوا إلى أهليهم، واحتوى أبو أحمد على كل ما كان في تلك المدينة من الذخائر والأموال والأطعمة والمواشي، فكان شيئا جليل القدر، فأمر ببيع الغلات وغيرها من العروض، وصرفه في أعطيات عسكره ومواليه، وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة واستنقذ يومئذ وصيف العلمدار ومن كان أسره الزنج معه، فأخرجوا من الحبس وقد كان الزنج أعجلهم الامر عن قتله وقتلهم، وأقام أبو أحمد بطهيثا سبعة عشر يوما، وأمر بهدم سور المدينة، وطم خنادقها، ففعل ذلك، وأمر بتتبع من لجأ منهم إلى الآجام، وجعل لكل من أتاه برجل منهم جعلا، فسارع الناس إلى طلبهم، فكان إذا أتى بالواحد منهم خلع عليه وأحسن إليه، وضمه إلى قواد غلمانه لما دبر من استمالتهم، وصرفهم عن طاعة صاحبهم، وندب نصيرا صاحب الماء في شذا وسميريات لطلب سليمان بن جامع والهاربين معه من الزنج وغيرهم، وأمره بالجد في اتباعهم، حتى يجاوز البطائح وحتى يلح دجلة المعروفة بالعوراء، وتقدم إليه في فتح السكور (1) التي كان سليمان أحدثها ليقطع بها الشذا عن دجلة فيما بينه وبين النهر المعروف بأبي الخصيب، وتقدم إلى

(1) السكور: جمع سكر، بالكسر، وهو ما سد به النهر.
(١٧٥)
مفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)، القتل (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303