أصحاب الناجم الذين كان قودهم في بدء مخرجه، وكان سليمان قد خلف هذين القائدين بالحوانيت، لحفظ غلات كثيرة كانوا قد أخذوها، فحاربهما أبو العباس، فقتل من رجالهما وجرح بالسهام خلقا كثيرا - وكانوا أجلد رجال سليمان بن جامع ونخبتهم الذين يعتمد عليهم - ودامت الحرب بين أبى العباس وبينهم ذلك اليوم إلى أن حجز الليل بين الفريقين. ورمى أبو العباس في ذلك اليوم كر كيا طائرا، فوقع بين الزنج والسهم فيه، فقالوا: هذا سهم أبى العباس، وأصابهم منه ذعر، واستأمن في هذا اليوم بعضهم إلى أبى العباس، فسأله عن الموضع الذي فيه سليمان بن جامع، فأخبره أنه مقيم بمدينته التي بناها بطهيثا، فانصرف أبو العباس حينئذ إلى أبيه بحقيقة مقام سليمان، وأن معه هنالك جميع أصحابه إلا شبلا وأبا الندى، فإنهما بالحوانيت لحفظ الغلات التي حووها. فأمر حينئذ أبو أحمد أصحابه بالتوجه إلى طهيثا، ووضع العطاء فأعطى عسكره، وشخص مصاعدا إلى بردودا، ليخرج منها إلى طهيثا، إذ كان لا سبيل له إليها إلا بذلك، فظن عسكره أنه هارب، وكادوا ينفضون لولا أنهم عرفوا؟ حقيقة الحال، فانتهى إلى القرية بالخوذية، وعقد جسرا على النهر المعروف بمهروذ وعبر عليه الخيل، وسار إلى أن صار بينه وبين مدينة سليمان التي سماها المنصورة بطهيثا ميلان، فأقام هناك بعسكره، ومطرت السماء مطرا جودا، واشتد البرد أيام مقامه هنالك، فشغل بالمطر والبرد عن الحرب فلم يحارب، فلما فتر ركب في نفر من قواده ومواليه لارتياد موضع لمجال الخيل، فانتهى إلى قريب من سور تلك المدينة، فتلقاه منهم خلق كثير وخرج عليه كمناء من مواضع شتى، ونشبت الحرب واشتدت، فترجل جماعة من الفرسان، ودافعوا حتى خرجوا عن المضايق التي كانوا أو غلوها، وأسر من غلمان أبى أحمد غلام يقال له وصيف العلمدار وعدة من قواد زيرك، وقتل في هذا اليوم أحمد بن مهدي الجبائي أحد القواد العظماء من الزنج، رماه أبو العباس بسهم فأصاب أحد منخريه حتى خالط دماغه، فخر صريعا، وحمل من المعركة وهو حي، فسأل أن يحمل
(١٧٣)