فيها مشاق متعبة، وإنما سلكها يحيى وأصحابه، وتركوا الطريق الواضح، للتحاسد الذي كان بين يحيى بن محمد وعلي بن أبان، فإن أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك الطريق التي يمر فيها على أصحاب علي بن أبان، فأصغى إلى مشورتهم، فشرعوا له الطريق المؤدى إلى البطيحة المذكورة فسلكها، وهذه البطيحة ينتهى السائر فيها إلى نهر أبى الأسد، وقد كان أبو أحمد انحاز إليه، لان أهل القرى والسواد كاتبوه يعرفونه خبر يحيى بن محمد البحراني، وشدة بأسه، وكثرة جمعه، وأنه ربما خرج من البطيحة إلى نهر أبى الأسد، فعسكر به، ومنع أبا أحمد الميرة، وحال بينه وبين من يأتيه من الاعراب وغيرهم، فسبقه أبو أحمد إلى نهر أبى الأسد، وسار يحيى حتى إذا قرب من نهر أبى الأسد، وافته طلائعه، فأخبرته بالجيش، وعظمت أمره، وخوفته منه، فرجع من الطريق الذي كان سلكه بمشقة شديده نالته، ونالت أصحابه، وأصابهم مرض لترددهم في تلك البطيحة وجعل يحيى على مقدمته سليمان بن جامع، وسار حتى وقف على قنطرة فورج نهر العباس، في موضع ضيق تشتد فيه جرية الماء، وهو مشرف ينظر أصحابه الزنج: كيف يجرون تلك السفن التي فيها الغنائم، فمنها ما يغرق وما يسلم.
* * * قال أبو جعفر: فحدثني محمد بن سمعان قال: كنت في تلك الحال واقفا مع يحيى على القنطرة وقد أقبل على متعجبا من شدة جرية الماء، وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن، فقال: أرأيت لو هجم علينا عدو في هذه الحال من كان يكون أسوأ حالا منا!
فوالله ما انقضى كلامه حتى وافى كاشهم التركي في جيش قد أنفذه معه أبو أحمد عند رجوعه من الأبله إلى نهر أبى الأسد، يتلقى به يحيى، فوقعت الصيحة، واضطربت الزنج، فنهضت متشوفا للنظر، فإذا الاعلام الحمر قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به، فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم جملة في الماء، فعبروا إلى الجانب الشرقي،