شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٥٦
فيها مشاق متعبة، وإنما سلكها يحيى وأصحابه، وتركوا الطريق الواضح، للتحاسد الذي كان بين يحيى بن محمد وعلي بن أبان، فإن أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك الطريق التي يمر فيها على أصحاب علي بن أبان، فأصغى إلى مشورتهم، فشرعوا له الطريق المؤدى إلى البطيحة المذكورة فسلكها، وهذه البطيحة ينتهى السائر فيها إلى نهر أبى الأسد، وقد كان أبو أحمد انحاز إليه، لان أهل القرى والسواد كاتبوه يعرفونه خبر يحيى بن محمد البحراني، وشدة بأسه، وكثرة جمعه، وأنه ربما خرج من البطيحة إلى نهر أبى الأسد، فعسكر به، ومنع أبا أحمد الميرة، وحال بينه وبين من يأتيه من الاعراب وغيرهم، فسبقه أبو أحمد إلى نهر أبى الأسد، وسار يحيى حتى إذا قرب من نهر أبى الأسد، وافته طلائعه، فأخبرته بالجيش، وعظمت أمره، وخوفته منه، فرجع من الطريق الذي كان سلكه بمشقة شديده نالته، ونالت أصحابه، وأصابهم مرض لترددهم في تلك البطيحة وجعل يحيى على مقدمته سليمان بن جامع، وسار حتى وقف على قنطرة فورج نهر العباس، في موضع ضيق تشتد فيه جرية الماء، وهو مشرف ينظر أصحابه الزنج: كيف يجرون تلك السفن التي فيها الغنائم، فمنها ما يغرق وما يسلم.
* * * قال أبو جعفر: فحدثني محمد بن سمعان قال: كنت في تلك الحال واقفا مع يحيى على القنطرة وقد أقبل على متعجبا من شدة جرية الماء، وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن، فقال: أرأيت لو هجم علينا عدو في هذه الحال من كان يكون أسوأ حالا منا!
فوالله ما انقضى كلامه حتى وافى كاشهم التركي في جيش قد أنفذه معه أبو أحمد عند رجوعه من الأبله إلى نهر أبى الأسد، يتلقى به يحيى، فوقعت الصيحة، واضطربت الزنج، فنهضت متشوفا للنظر، فإذا الاعلام الحمر قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به، فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم جملة في الماء، فعبروا إلى الجانب الشرقي،
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303