شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٥٧
وخلا الموضع الذي فيه يحيى فلم يبق معه إلا بضعة عشر رجلا منهم، فنهض عند ذلك فأخذ درقته وسيفه، واحتزم بمنديل، ثم تلقى القوم (1) في النفر الذين تخلفوا معه فرشقهم أصحاب كاشهم التركي بالسهام، حتى كثر فيهم الجراح، وجرح يحيى بأسهم ثلاثة في عضده اليمنى وساقه اليسرى، فلما رآه أصحابه جريحا، تفرقوا عنه ولم يعرف فيقصد له، فرجع حتى دخل بعض تلك السفن، وعبر به إلى الجانب الشرقي من النهر، وذلك وقت الضحى، وأثقلته الجراحات التي أصابته، فلما رأت الزنج شدة ما نزل به، اشتد جزعهم وضعفت قلوبهم، فتركوا القتال، وكانت همتهم النجاة بأنفسهم، وحاز أصحاب السلطان تلك الغنائم التي كانت في السفن في الجانب الغربي من النهر، وانفض الزنج بالجانب الشرقي عن يحيى، فجعلوا يتسللون بقية نهارهم بعد قتل ذريع فيهم، وأسر كثير، فلما أمسوا وأسدف الليل، طاروا على وجوههم. فلما رأى يحيى تفرق أصحابه ركب سميرية كانت هناك، وأقعد معه فيها متطببا، يقال له عباد (2)، وطمع في الخلاص إلى عسكر صاحب الزنج، فسار حتى قرب من فوهة النهر، فأبصر سميريات وشذايات لأصحاب السلطان في فوهة النهر، فخاف أن تعترض سميريته، وجزع من المرور بها، فعبر به الملاح إلى الجانب الغربي من النهر، فألقاه وطبيبه على الأرض في زرع هناك، فخرج يمشى وهو مثقل حتى ألقى نفسه في بعض تلك المواضع، فأقام هناك ليلته تلك، فلما أصبح نزفه الدم، ونهض عباد الطبيب (3) فجعل يمشى متشوفا أن يرى إنسانا، فرأى بعض أصحاب السلطان، فأشار لهم إلى موضع يحيى، فجاءوا، حتى وقفوا عليه فأخذوه، وانتهى خبره إلى [الخبيث] (4) صاحب الزنج فجزع عليه جزعا شديدا، وعظم عليه توجعه.

(1) الطبري: " القوم الذين أتوه ".
(2) الطبري: " ويعرف بأبي جيش ".
(3) بعد في الطبري: " المتطبب ".
(4) من الطبري.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303