شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٥٩
قال أبو جعفر: فأما الأمير أبو أحمد، فإنه لما صار إلى نهر أبى الأسد وأقام به، كثرت العلل فيمن معه من جنده وغيرهم، وفشا فيهم الموت، فلم يزل مقيما هنالك حتى أبل من نجا منهم من علته، ثم انصرف، راجعا إلى باذاورد، فعسكر به، وأمر بتجديد الآلات وإصلاح الشذوات والسميريات وإعطاء الجند أرزاقهم وشحن السفن بقواده ومواليه وغلمانه، ونهض نحو عسكر الناجم، وأمر جماعة من قواده بقصد مواضع سماها لهم من نهر أبى الخصيب وغيره، وأمر الباقين بملازمته والمحاربة معه، في الموضع الذي يكون فيه، وهم الأقلون، وعرف الزنج تفرق أصحاب أبي أحمد عنه، فكثروا في جهته، واستعرت الحرب، بينه وبينهم، وكثرت القتلى والجراح بين الفريقين، وأحرق أصحاب أبي أحمد قصورا ومنازل كان الزنج ابتنوها، واستنقذوا من نساء أهل البصرة جمعا كثيرا. ثم صرف الزنج سورتهم وشدة حملتهم إلى الموضع الذي به أبو أحمد، فجاءه منهم جمع لا يقاوم، بمثل العدة اليسيرة التي كان فيها، فرأى أن الحزم في محاجزتهم، فأمر أصحابه بالرجوع إلى سفنهم على تؤدة وتمهل، ففعلوا وبقيت طائفة من جنده ولجوا تلك الأدغال والمضايق، فخرج عليهم كمين للزنج فأوقعوا بهم فحاموا عن أنفسهم، وقتلوا عددا كثيرا من الزنج إلى أن قتلوا بأجمعهم، وحملت رؤوسهم إلى الناجم، فزاد ذلك في قوته وعتوه وعجبه بنفسه، وانصرف أبو أحمد بالجيش إلى الباذاورد، وأقام يعبى أصحابه للرجوع إلى الزنج، فوقعت نار في طرف من أطراف عسكره، وذلك في أيام عصوف الرياح، فاحترق العسكر، ورحل أبو أحمد منصرفا وذلك في شعبان من هذه السنة إلى واسط (1).
فأقام بها إلى ربيع الأول، ثم انصرف عنها إلى سامراء، وذلك أن المعتمد كاتبه واستقدمه

(1) بعدها في الطبري: " فلما صار إلى واسط تفرق عنه عامة من كان معه من أصحابه ".
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303