وحنكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك، هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي ذكرها أبو العباس المبرد في " الكتاب الكامل " (1)، وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة ولا منقولة من كتاب معتمد عليه.
وكم له من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى، مما لو أردنا استقصاءه لكسرنا له كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة.
فإن قلت: لماذا غلا الناس في أمير المؤمنين عليه السلام، فادعوا فيه الإلهية لاخباره عن الغيوب التي شاهدوا صدقها عيانا، ولم يغلوا في رسول الله صلى الله عليه وآله فيدعوا له الإلهية، وأخباره عن الغيوب الصادقة قد سمعوها وعلموها يقينا، وهو كان أولى بذلك، لأنه الأصل المتبوع، ومعجزاته أعظم، وأخباره عن الغيوب أكثر؟
قلت: إن الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله، وشاهدوا معجزاته، وسمعوا إخباره عن الغيوب الصادقة عيانا، كانوا أشد آراء، وأعظم أحلاما، وأوفر عقولا، من تلك الطائفة الضعيفة العقول، السخيفة الأحلام، الذين رأوا أمير المؤمنين عليه السلام في آخر أيامه، كعبد الله بن سبأ وأصحابه، فإنهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة، فلا عجب عن مثلهم أن تستخفهم المعجزات، فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر الإلهي قد حله، لاعتقادهم أنه لا يصح من البشر هذا إلا بالحلول، وقد قيل: إن جماعة من هؤلاء كانوا، من نسل النصارى واليهود، وقد كانوا سمعوا من آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم ورؤسائهم، فاعتقدوا فيه عليه السلام مثل ذلك. ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال الالحاد في دين الاسلام، فذهبوا إلى ذلك، ولو كانوا في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله لقالوا فيه مثل هذه المقالة، إضلالا لأهل