الاسلام، وقصدا لايقاع الشبهة في قلوبهم، ولم يكن في الصحابة (1) مثل هؤلاء، ولكن قد كان فيهم منافقون وزنادقة، ولم يهتدوا إلى هذه الفتنة، ولا خطر لهم مثل هذه المكيدة.
ومما ينقدح لي من الفرق بين هؤلاء القوم وبين العرب الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله، أن هؤلاء من العراق وساكني الكوفة، وطينة العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء وأصحاب النحل العجيبة والمذاهب البديعة، وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر، وبحث عن الآراء والعقائد، وشبه معترضة في المذاهب، وقد كان منهم في أيام الأكاسرة مثل ماني وديصان ومزدك وغيرهم، وليست طينة الحجاز هذه الطينة، ولا أذهان أهل الحجاز هذه الأذهان، والغالب على أهل الحجاز الجفاء والعجرفية وخشونة الطبع، ومن سكن المدن منهم كأهل مكة والمدينة والطائف فطباعهم قريبة من طباع أهل البادية بالمجاورة، ولم يكن فيهم من قبل حكيم ولا فيلسوف ولا صاحب نظر وجدل، ولا موقع شبهة، ولا مبتدع نحلة، ولهذا نجد مقالة الغلاة طارئة وناشئة من حيث سكن علي عليه السلام بالعراق والكوفة، لا في أيام مقامة بالمدينة، وهي أكثر عمره.
فهذا ما لاح لي من الفرق بين الرجلين في المعنى المقدم ذكره.
* * * فإن قلت: لماذا قال عن فئة تهدى مائة؟ وما فائدة التقييد بهذا العدد؟
قلت: لان ما دون المائة حقير تافه لا يعتد به ليذكر ويخبر عنه، فكأنه قال:
مائة فصاعدا.
قوله عليه السلام: " كرائه الأمور ": جمع كريهة وهي الشدة في الحرب. وحوازب الخطوب: جمع حازب، وحزبه الامر، أي دهمه.