توقع فيه فليس أحدهما عوضا عن الآخر ولا قائما مقامه، وأما المنافع الدنيوية كالمأكل والمشارب والأموال، فإن الانسان إذا فاته شئ منها قدر على ارتجاعه بعينه، إن كانت عينه باقية، وما لا تبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، والرزق وإن كان مضمونا من الله إلا إن للحركة فيه نصيبا، أما أن يكون شرطا أو أن يكون هو بذاته من أثر قدرة الانسان، كحركته واعتماده وسائر أفعاله، ويكون الامر بالتوكل والنهى عن الاجتهاد في طلب الرزق على هذا القول، إنما هو نهى عن الحرص والجشع والتهالك في الطلب، فإن ذلك قبيح يدل على دناءة الهمة وسقوطها.
ثم هذه الأغراض الدنيوية إذا حصلت أمثالها بعد ذهابها قامت مقام الذاهب، لان الامر الذي يراد الذاهب له يمكن حصوله بهذا المكتسب، وليس كذلك الزمان الذاهب من العمر، لان العبادات والأعمال التي كان أمس متعينا لها، لا يمكن حصولها اليوم، على حد حصولها أمس، فافترق البابان: باب الأعمال، وباب الأرزاق.
وقوله: " الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي "، كلام يجرى مجرى المثل، وهو تأكيد للمعنى الأول، وجعل الجائي مرجوا لأنه لا يعلم غيبه، قال الشاعر:
ما مضى فات والمقدر غيب ولك الساعة التي أنت فيها وقوله: " حق تقاته " أي حق تقيته، أي خوفه، اتقى يتقى تقية وتقاة، ووزنها " فعلة " وأصلها الياء، ومثلها أتخم تخمة، واتهم تهمة.