أو المهجو تركت ما كنت فيه من قبل بالكلية، وأقبلت على ما تخلصت إليه من المديح والهجاء بيتا بعد بيت، حتى تنقضي القصيدة، وفي الاستطراد تمر على ذكر الامر الذي استطردت به مرورا كالبرق الخاطف، ثم تتركه وتنساه، وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك، وإنما عرض عروضا. وإذا فهمت الفرق فاعلم أن الآيات التي تلوناها إذا حققت وأمعنت النظر، من باب الاستطراد، لا من باب التخلص، وذلك لأنه تعالى قال بعد قوله: ﴿واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ (1). فعاد إلى ما كان فيه أولا، ثم مر في هذه القصة، وفي أحوال موسى وبنى إسرائيل حتى قارب الفراغ من السورة.
ومن لطيف التخلص الذي يكاد يكون استطرادا، لولا أنه أفسده بالخروج إلى المدح، قول أبى تمام في قصيدته التي يمدح بها محمد بن الهيثم التي أولها:
أسقى طلولهم أجش هزيم * وغدت عليهم نضرة ونعيم (2) ظلمتك ظالمة البرئ ظلوم * والظلم من ذي قدرة مذموم زعمت هواك عفا الغداة كما عفت * منها طلول باللوى ورسوم