يقال له: ألست القائل في مصنفاتك الكلامية: إن المندوبات إنما ندب إليها، لأنها كالمسهلات والميسرات لفعل الواجبات العقلية، وأنها ليست ألطافا في واجب عقلي، وأن ثوابها يسير جدا بالإضافة إلى ثواب الواجب! فإذا كان آدم عليه السلام ما أخل بشئ من الواجبات، ولا فعل شيئا من المقبحات، فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحقر ثواب المندوب بالإضافة إليه. ومثل هذا لا يقال فيه لمن ترك المندوب إنه قد خاب، ألا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال، وترك بعد ذلك درهما واحدا كان يمكنه اكتسابه فلم يكتسبه، لا يقال: إنه خاب!
وثالثها أن ظاهر القرآن يخالف ما ذكره، لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)، وقوله: (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة)، وهذا يوجب أنه قد عصى بأن فعل منهيا عنه، والشريف المرتضى رحمه الله تعالى يقول: إنه عصى بأن ترك مأمورا به.
* * * قال المرتضى رحمه الله تعالى مجيبا عن هذا: إن الأمر والنهي ليسا يختصان (١) عندنا بصيغة ليس فيها احتمال واشتراك، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهى وينهى بلفظ الامر، وإنما يكون النهى نهيا بكراهة المنهي عنه، فإذا قال تعالى: (لا تقربا هذه الشجرة) ولم يكره قربهما لم يكن في الحقيقة ناهيا، كما أنه تعالى لما قال: ﴿اعملوا ما شئتم﴾ (2)، (وإذا حللتم فاصطادوا) (3) ولم يرد ذلك، لم يكن أمرا به، وإذا كان قد صحب قوله: (لا تقربا هذه الشجرة) إرادة ترك التناول، وجب أن يكون هذا القول أمرا، وإنما سماه منهيا، وسمى