تارك مثل ذلك لا يطلق عليه أنه عاص، ويبين ذلك أن لفظ " العصيان " في اللغة موضوع للامتناع، ولذلك سميت العصا عصا، لأنه يمتنع بها، ومنه قولهم: قد شق العصا، أي خرج عن الربقة المانعة من الاختلاف والتفرق، وتارك الندب لا يمنع من أمر، لان الامر الندبي لا يقتضى شيئا اقتضاء اللزوم، بل معناه إن فعلت فهو أولى، ويجوز ألا تفعل، فأي امتناع حدث إذا خولف أمر الندب سمى المخالف له عاصيا، ويبين ذلك أيضا أن لفظ " عاص " اسم ذم، فلا يجوز إطلاقه على تارك الندب، كما لا يسمى فاسقا، وإن كان الفسق في أصل اللغة للخروج.
ثم يسأل المرتضى رحمه الله تعالى عما سأل عنه نفسه، فيقال له: كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية؟ أوليس هذا يوجب أن يوصف الأنبياء بأنهم عصاة في كل حال، وأنهم لا ينفكون عن المعصية، لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب (1)!
وقد أجاب رحمه الله تعالى عن هذا، فقال (1): وصف تارك الندب بأنه عاص توسع وتجوز، والمجاز لا يقاس عليه، ولا يعدى عن موضعه. ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح، وتارك الأولى [والأفضل] (1) لم يجز إطلاقه في الأنبياء إلا مع التقييد، لان استعماله قد كثر في فاعل القبائح، فإطلاقه عن التقييد موهم.
لكنا نقول: إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبيح، فلا يجوز ذلك، وإن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه لاستحقوا الثواب، ولكان أولى، فهم كذلك (1).
كذلك يقال له: ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب أصول الفقه، لان من قال: إذا ترك زيد الندب، فإنه يسمى عاصيا، يلزمه أن يقول: إن عمرا إذا ترك الندب يسمى عاصيا، وليس هذا قياسا، كما أن من قال لزيد البليد: هذا