ويمكن أن يجاب عن هذا فيقال: إنه تعالى لم يقل: " فقلنا اهبطوا " بالفاء، بل قال:
(وقلنا اهبطوا) بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، ولو كان عوضها فاء لكانت صريحة في أن الإهباط كان عقيب الزلة، فأما الواو فلا تدل على ذلك، بل يجوز أن تكون التوبة قبل الإهباط، ويخبر عن الإهباط بالواو قبل أن يخبر عن التوبة.
قوله عليه السلام: " وليقيم الحجة على عباده "، أي إذا كان أبوهم أخرج من الجنة بخطيئة واحدة فأخلق بها ألا يدخلها ذو خطايا جمة، وهذا يؤكد مذهب أصحابنا في الوعيد.
ثم أخبر عليه السلام أن البارئ سبحانه ما أخلى عباده بعد قبض آدم وتوفيه مما يؤكد عليهم حجج الربوبية، بل أرسل إليهم الرسل قرنا فقرنا، بفتح القاف، وهو أهل الزمان الواحد، قال الشاعر:
إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم وخلفت في قرن فأنت غريب (1) وتعاهدهم بالحجج، أي جدد العهد عندهم بها، ويروى " بل تعهدهم " بالتشديد، والتعهد: التحفظ بالشئ، تعهدت فلانا وتعهدت ضيعتي، وهو أفصح من " تعاهدت " لان التفاعل إنما يكون من شيئين، وتقول: فلان يتعهده صرع.
قوله: " وبلغ المقطع عذره ونذره "، مقطع الشئ حيث ينقطع، ولا يبقى خلفه شئ منه، أي لم يزل يبعث الأنبياء واحدا بعد واحد، حتى بعث محمدا صلى الله عليه وآله، فتمت به حجته على الخلق أجمعين، وبلغ الامر مقطعه، أي لم يبق بعده رسول ينتظر،