قال رحمه الله تعالى: وأنكر أيضا مشايخنا أن يكون عذاب القبر دائما في كل حال لان الاخبار إنما وردت بذلك في الجملة، فالذي يقال به هو قدر ما تقتضيه الاخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه، ولذلك لسنا نوقت في التعذيب وقتا، وإن كان الأقرب في الاخبار أنها الأوقات المقارنة للدفن، وإن كان لا نعنيها بأعيانها.
هكذا قال قاضى القضاة، والذي أعرفه أنا من مذهب كثير من شيوخنا قبل قاضى القضاة أن الأغلب أن يكون عذاب القبر بين النفختين.
ثم إن قاضى القضاة سأل نفسه، فقال: إذا كانت الآخرة هي وقت المجازاة، فكيف يعذب في القبر في أيام الدنيا؟
وأجاب بأن القليل من العقاب المستحق قد يجوز أن يجعله الله في الدنيا لبعض المصالح، كما فعل في تعجيل إقامة الحدود على من يستحقها، فلا يمنع منه تعالى أن يفعل ذلك بالانسان إذا كان من أهل النار.
ثم سأل نفسه، فقال: إذا كان بالموت قد زال عنه التكليف، فكيف يقولون يكون ذلك من مصالحه؟
وأجاب بأنا لم نقل: إن ذلك من مصالحه وهو ميت، وإنما نقول إنه مصلحة أن نعلم في الدنيا ذلك من حال الموتى، لأنه إذا تصور أنه مات عوجل بضرب من العقاب في القبر، كان أقرب إلى أن ينصرف عن كثير من المعاصي. وقد يجوز أن يكون ذلك لطفا للملائكة الذين يتولون هذا التعذيب.
* * * فأما القول في منكر ونكير، فإنه سأل نفسه رحمه الله تعالى، وقال: كيف يجوز أن يسموا بأسماء الذم، وعندكم أن الملائكة أفضل من الأنبياء؟