وداعية بالويل جزعا، ولا دمة للصدر قلقا، والمرء في سكره ملهثة، وغمرة كارثة، وأنة موجعة، وجذبة مكربة، وسوقة متعبة.
ثم أدرج في أكفانه مبلسا، وجذب منقادا سلسا، ثم ألقى على الأعواد، رجيع وصب، ونضو سقم، تحمله حفدة الولدان، وحشدة الاخوان، إلى دار غربته، ومنقطع زورته، ومفرد وحشته، حتى إذا انصرف المشيع، ورجع المتفجع، أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال، وعثرة الامتحان.
وأعظم ما هنالك بلية نزل الحميم، وتصلية الجحيم، وفورات السعير، وسورات الزفير، لا فترة مريحة، ولا دعة مزيحة، ولا قوة حاجزة، ولا موتة ناجزة، ولا سنة مسلية، بين أطوار الموتات، وعذاب الساعات، إنا بالله عائذون!
* * * الشرح:
أم هنا إما استفهامية على حقيقتها، كأنه قال: أعظكم وأذكركم بحال الشيطان وإغوائه، أم بحال الانسان منذ ابتدأ وجوده إلى حين مماته، وإما أن تكون منقطعة بمعنى (بل) كأنه قال عادلا وتاركا لما وعظهم به: بل أتلو عليكم نبأ هذا الانسان الذي حاله كذا.
الشغف بالغين المعجمة: جمع شغاف، بفتح الشين، وأصله غلاف القلب، يقال: شغفه الحب، أي بلغ شغافه، وقرئ: (قد شغفها حبا).
والدهاق: المملوءة، ويروى (دفاقا) من دفقت الماء أي صببته.
قال: (وعلقه محاقا)، المحاق: ثلاث ليال من آخر الشهر، وسميت محاقا لان القمر يمتحق فيهن، أي يخفى وتبطل صورته، وإنما جعل العلقة محاقا هاهنا، لأنها لم تحصل لها الصورة الانسانية بعد، فكانت ممحوة ممحوقة.