قالوا: ولا يصح ما روى في بعض الأخبار أن الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وأن المؤمن يقطعه كمرور البرق الخاطف، والكافر يمشى عليه حبوا، وأنه ينتفض بالذين عليه حتى تتزايل مفاصلهم. قالوا: لان مثل ذلك لا يكون طريقا للماشي، ولا يتمكن من المشي عليه، ولو أمكن لم يصح التكليف في الآخرة، ليؤمر العقلاء بالمرور عليه على وجه التعبد.
ثم سأل أصحابنا أنفسهم، فقالوا: أي فائدة في عمل هذا السور؟ وأي فائدة في كون الطريق الذي هو الصراط منتهيا إلى باب النار منفرجا منها إلى الجنة؟ ألستم تعللون أفعال البارئ تعالى بالمصالح، والآخرة ليست دار تكليف ليفعل فيها هذه الأفعال للمصالح!
وأجابوا بأن شعور المكلفين في الدنيا بهذه الأشياء مصالح لهم، وألطاف في الواجبات العقلية، فإذا أعلم المكلفون بها وجب إيقاعها على حسب ما وعدوا وأخبروا به، لان الله صادق لا خلف في أخباره.
وعندي أنه لا يمتنع أن يكون الصراط على ما وردت به الاخبار، ولا مانع من ذلك قولهم: لا يكون طريقا للماشي، ولا يتمكن من المشي عليه مسلم، ولكن لم لا يجوز أن يكون في جعله على هذا الوجه والاخبار عن كيفيته هذه مصلحة للمكلفين في الدنيا؟ وليس عدم تمكن الانسان من المشي عليه بمانع من إيقاعه على هذا الوجه، لان المراد من هذا وأمثاله هو التخويف والزجر.
وأما قولهم: الآخرة ليست دار تكليف، فلقائل أن يقول لهم: لم قلتم: إنه تكليف؟
ولم لا يجوز أن يكون المكلفون مضطرين إلى سلوكه اضطرارا؟ فالمؤمن يخلق الله فيه الثبات والسكينة، والحركة السريعة فينجو ويسلم، والكافر يخلق فيه ضد ذلك فيهوى ويعطب ولا مانع من ذلك.