وأوجف الذكر بلسانه، وقدم الخوف لأمانه، وتنكب المخالج عن وضح السبيل، وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الأمور، ظافرا بفرحة البشرى، وراحة النعمى، في أنعم نومه، وآمن يومه.
قد عبر معبر العاجلة حميدا، وقدم زاد الأجلة سعيدا، وبادر عن وجل، وأكمش في مهل، ورغب في طلب، وذهب عن هرب، وراقب في يومه غده، وربما نظر قدما أمامه.
فكفى بالجنة ثوابا ونوالا، وكفى بالنار عقابا ووبالا! وكفى بالله منتقما ونصيرا! وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما!
* * * الشرح:
وقال أصحابنا رحمهم الله تعالى: الصراط الوارد ذكره في الكتاب العزيز، هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة ولأهل النار إلى النار بعد المحاسبة، قالوا: لان أهل الجنة ممرهم على باب النار، فمن كان من أهل النار عدل به إليها، وقذف فيها، ومن كان من أهل الجنة مر بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وإن منكم إلا واردها﴾ (١)، لان ورودها هو القرب منها، والدنو إليها، وقد دل القرآن على سور مضروب بين مكان النار وبين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله: ﴿فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب﴾ (2).