دون مدى كرمك الحاجات، وامتلأت ببعض جودك أوعية الطلبات، وتفسخت دون بلوغ نعتك الصفات. فلك العلو الأعلى فوق كل عال، و الجلال الأمجد فوق كل جلال، كل جليل عندك حقير، وكل شريف في جنب شرفك صغير. خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمون إلا بك وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، لأنك ذو غاية قريبة من الراغبين، وذو مجد مباح للسائلين، لا يخيب عليك الآملون، ولا يخفق من عطائك المتعرضون، ولا يشقى بنقمتك المستغفرون، رزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معرض لمن ناواك، وعادتك الاحسان إلى المسيئين، وسنتك الابقاء على المعتدين، حتى لقد غرتهم أناتك عن النزوع، وصدهم إمهالك عن الرجوع، وإنما تأنيت بهم ليفيئوا إلى أمرك، وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك، فمن كان من أهل السعادة ختمت له بها، ومن كان من أهل الشقاوة خذلته لها.
كلهم صائر إلى رحمتك، وأمورهم آيلة إلى أمرك لم يهن على طول مدتهم سلطانك، ولم تدحض لترك معاجلتهم حججك (1)، حجتك قائمة، وسلطانك ثابت، فالويل الدائم لمن جنح عنك، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك، والشقاء الأشقى لمن اغتر بك. ما أكثر تقلبه في عذابك! وما أعظم تردده في عقابك! وما أبعد غايته من الفرج! وما أثبطه من سهولة المخرج عدلا من قضائك لا تجور فيه، وإنصافا من حكمك لا تحيف عليه، قد ظاهرت الحجج، وأزلت الاعذار، وتقدمت بالوعيد، وتلطفت في الترغيب، وضربت الأمثال، وأطلت الامهال، وأخرت وأنت تستطيع المعاجلة، وتأنيت وأنت ملئ بالمبادرة.
لم تك أناتك عجزا، ولا حلمك وهنا، ولا إمساكك لعلة، ولا انتظارك لمداراة، بل لتكون حجتك الأبلغ، وكرمك الا كمل، وإحسانك الأوفى، ونعمتك الأتم. كل ذلك