ويجوز أيضا أن يكون في الدعاء نفسه مصلحة ولطف للمكلف، لقد حسن منا الاستغفار للمؤمنين، والصلاة على الأنبياء والملائكة.
وأيضا فليس كل أفعال الباري سبحانه واجبة عليه، بل معظمها ما يصدر على وجه الاحسان والتفضل، فيجوز أن يفعله، ويجوز ألا يفعله.
فإن قلت: فهل يسمى فعل الواجب الذي لا بد للقديم تعالى من فعله! إجابة لدعاء المكلف؟
قلت: لا، وإنما يسمى إجابة إذا فعل سبحانه ما يجوز أن يفعله، ويجوز ألا يفعله كالتفضل. وأيضا فإن اللطف والمصلحة قد يكون لطفا ومصلحة في كل حال، وقد يكون لطفا عند الدعاء، ولولا الدعاء لم يكن لطفا، وليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمى إجابة للدعاء، لان للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله.
فإن قيل: أيجوز أن يدعو النبي صلى الله عليه وآله بدعاء فلا يستجاب له؟
قيل: إن من شرط حسن الدعاء أن يعلم الداعي حسن ما طلبه بالدعاء، وإنما يعلم حسنه، بألا يكون فيه وجه قبح ظاهر، وما غاب عنه من وجوه القبح، نحو كونه مفسدة يجب أن يشترطه في دعائه، ويطلب ما يطلبه بشرط ألا يكون مفسدة. وإن لم يظهر هذا الشرط في دعائه وجب أن يضمره في نفسه، فمتى سأل النبي ربه تعالى أمرا فلم يفعله لم يجز أن يقال: إنه ما أجيبت دعوته، لأنه يكون قد سأل بشرط ألا يكون مفسدة، فإذا لم يقع ما يطلبه، فلان المطلوب قد علم الله فيه من المفسدة ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وآله، فلا يقال: إنه ما أجيب دعاؤه، لان دعاءه كان مشروطا، وإنما يصدق قولنا ما أجيب دعاؤه على من طلب أمرا طلبا مطلقا غير مشروط فلم يقع، والنبي صلى الله عليه وآله لا يتحقق ذلك في حقه.