في واد وأنت لي في واد آخر، أقبلت السوداء والبيضاء، فتصيح وتطرق، فإذا سكت عنك وثبت تريد الخروج! والله لتخرجن أو لألجن عليك البيت.
فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت: أعرابي مجنون والله، ما أرى في البيت شيئا فدفعت الباب فخرج الكلب شاردا، وحاد عنه أبو الأعز ساقطا على قفاه شائلة رجلاه، وقال: تالله ما رأيت كالليلة هذه! ما أراه إلا كلبا، ولو علمت بحاله لولجت عليه (1) ونظير هذه الحكاية حكاية أبى حية النميري، وكان جبانا، قيل: كان لأبي حية سيف ليس بينه وبين الخشب فرق، كان يسميه لعاب المنية، فحكى عنه بعض جيرانه أنه قال: أشرفت عليه ليلة، وقد انتضاه وهو واقف بباب بيت في داره، وقد سمع فيه حسا، وهو يقول: أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك! خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به مشهورة صولته، ولا تخاف نبوته. اخرج بالعفو عنك، لا أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا، تملأ الفضاء عليك خيلا ورجلا. سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها، والله ما أنت ببعيد من تابعها، والرسوب في تيار لجتها!
وقال: وهبت ريح ففتحت الباب، فخرج كلب يشتد، فلبط بأبي حية واربد، وشغر برجليه، وتبادرت إليه نساء الحي، فقلن: يا أبا حية، لتفرخ روعتك، إنما هو كلب، فجلس وهو: يقول الحمد لله الذي مسخك كلبا، وكفاني حربا (2)!
* * * وخرج مغيرة بن سعيد العجلي في ثلاثين رجلا بظهر الكوفة، فعطعطوا، وخالد بن عبد الله القسري أمير العراق، يخطب على المنبر فعرق، واضطرب وتحير، وجعل يقول:
أطعموني ماء، فهجاه ابن نوفل فقال: