ومن طريف حكايات الجبناء ما ذكره ابن قتيبة أيضا في الكتاب المذكور، قال:
كان بالبصرة شيخ من بنى نهشل بن دارم، يقال له عروة بن مرثد، ويكنى أبا الأعز، ينزل في بنى أخت له من الأزد في سكة بنى مازن، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان، وخرج النساء يصلين في مسجدهم، ولم يبق في الدار إلا إماء، فدخل كلب يتعسس فرأى بيتا مفتوحا فدخله وانصفق الباب عليه، فسمع بعض الإماء الحركة، فظنوا أنه لص دخل الدار، فذهبت إحداهن إلى أبى الأعز، فأخبرته، فقال أبو الأعز: إلام يبتغى اللص عندنا، وأخذ عصاه، وجاء حتى وقف بباب البيت، وقال: إيه يا فلان! أما والله، إني بك لعارف، فهل أنت من لصوص بنى مازن! شربت حامضا خبيثا، حتى إذا دارت في رأسك منتك نفسك الأماني، وقلت: أطرق دور بنى عمرو، والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهن، فأسرقهم. سوءة لك! والله ما يفعل هذا ولد الأحرار!
وأيم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفة مشؤومة يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة، وتجئ سعد عدد الحصى، وتسيل عليك الرجال، من هنا وهنا، ولئن فعلت لتكونن، أشام مولود!
فلما رأى أنه لا يجيبه، أخذه باللين، فقال: اخرج - بأبي أنت - مستورا، والله ما أراك تعرفني، ولو عرفتني لقنعت بقولي، واطمأننت إلى ابن أختي البار الوصول، أنا - فديتك - أبو الأعز النهشلي! وأنا خال القوم، وجلدة بين أعينهم، لا يعصونني، ولا تضار الليلة وأنت في ذمتي، وعندي قوصرتان، أهداهما إلى ابن أختي البار الوصول، فخذ إحداهما، فانبذها حلالا من الله ورسوله.
وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق، وإذا سكت أبو الأعز وثب يريد المخرج، فتهاتف أبو الأعز، ثم تضاحك، وقال: يا ألام الناس وأوضعهم! ألا أراني لك منذ الليلة