فأرسل إليها الوليد: إنه الحجاج، فأعادت عليه الرسول: والله لان يخلو بك ملك الموت أحب إلى من أن يخلو بك الحجاج! فضحك وأخبر الحجاج بقولها وهو يمازحه، فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول، فإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تطلعها على سرك، ومكايدة عدوك.
فلما انصرف الحجاج ودخل الوليد على امرأته أخبرها بمقالة الحجاج، فقالت: يا أمير المؤمنين، حاجتي إليك اليوم أن تأمره غدا أن يأتيني مستلئما، ففعل ذلك، وأتاها الحجاج فحجبته ثم أدخلته، ولم تأذن له في القعود، فلم يزل قائما، ثم قالت: إيه يا حجاج! أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتلك ابن الزبير وابن الأشعث! أما والله لولا أن الله علم أنك شر خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام، ولا بقتل ابن ذات النطاقين أول مولود في الاسلام، وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذاته وأوطاره، فإن كن ينفرجن عن مثلك فما أحقه بالقبول منك! وإن كن ينفرجن عن مثله، فهو غير قابل لقولك. أما والله لو نفض نساء أمير المؤمنين الطيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من القرن، قد أظلتك الرماح، وأثخنك الكفاح، وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، فأنجاك الله من عدو أمير المؤمنين بحبهم إياه، قاتل الله القائل حين ينظر إليك وسنان غزالة (1) بين كتفيك:
أسد على وفى الحروب نعامة * ربداء تنفر من صفير الصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغا * أم كان قلبك في جناحي طائر!
ثم قالت لجواريها: أخرجنه، فأخرج (2):
* * *