وقال عبد الله بن رزام الحارثي للمهلب: احملوا، فقال المهلب: أعرابي مجنون - وكان من أهل نجران - فحمل وحده، فاخترق القوم حتى خرج من ناحية [أخرى]، ثم كر ثانية ففعل فعلته الأولى، وتهايج الناس، فترجلت الخوارج، وعقروا دوابهم، فناداهم عمرو القنا - ولم يترجل هو ولا أصحابه (2)، وهم زهاء أربعمائة - فقال: موتوا على ظهور دوابكم كراما، ولا تعقروها، فقالوا: إنا إذا كنا على الدواب ذكرنا الفرار، [فاقتتلوا] (3)، ونادى المهلب بأصحابه: الأرض الأرض! وقال لبنيه: تفرقوا في الناس ليروا وجوهكم، ونادت الخوارج: ألا إن العيال لمن غلب، فصبر بنو المهلب (4 وقاتل يزيد بين يدي أبيه قتالا شديدا 4)، أبلى فيه، فقال له أبوه: يا بنى إني أرى موطنا لا ينجو فيه إلا من صبر، وما مر بي يوم مثل هذا منذ مارست الحروب.
وكسرت الخوارج أجفان سيوفها، وتجاولوا، فأجلت جولتهم عن عبد ربه مقتولا.
فهرب عمرو القنا وأصحابه، واستأمن قوم، وأجلت الحرب عن أربعة آلاف قتيل وجريح من الخوارج ومأسور، وأمر المهلب أن يدفع كل جريح إلى عشيرته، وظفر بعسكرهم، فحوى ما فيه، ثم انصرف إلى جيرفت، فقال: الحمد لله الذي ردنا إلى الخفض والدعة، فما كان عيشنا ذلك العيش (5).
ثم نظر المهلب إلى قوم في عسكره ولم يعرفهم، فقال: ما أشد عادة السلاح (6)! ناولني درعي، فلبسها، ثم قال: خذوا هؤلاء، فلما صيرهم إليه، قال: ما أنتم؟ قالوا: جئنا لنطلب غرتك للفتك (7) بك. فأمر بهم فقتلوا.