أمر الخوارج، فقال قوم: ول عبد الله بن أبي بكرة، وقال قوم: ول عمر بن عبيد الله بن معمر، وقال قوم: ليس لهم إلا المهلب فاردده إليهم، وبلغت المشورة الخوارج فأداروا الامر بينهم، فقال قطري بن الفجاءة المازني - ولم يكن أمروه عليهم بعد -: إن جاءكم عبد الله بن أبي بكرة أتاكم سيد سمح كريم جواد مضيع لعسكره، وإن جاءكم عمر بن عبيد الله أتاكم فارس شجاع، بطل جاد، يقاتل لدينه ولملكه، وبطبيعة لم أر مثلها لأحد، فقد شهدته في وقائع، فما نودي في القوم لحرب إلا كان أول فارس، حتى يشد على قرنه ويضربه، وإن رد المهلب فهو من قد عرفتموه، إذا أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الاخر، يمده إذا أرسلتموه، ويرسله إذا مددتموه، لا يبدؤكم إلا أن تبدأوه، إلا أن يرى فرصة فينتهزها، فهو الليث المبر (1)، والثعلب الرواغ، والبلاء المقيم.
فولى مصعب عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر، ولاه فارس، والخوارج بأرجان يومئذ، وعليهم الزبير بن علي السليطي، فشخص إليهم فقاتلهم، وألح عليهم حتى أخرجهم منها، فألحقهم بأصبهان، فلما بلغ المهلب أن مصعبا ولى حرب الخوارج عمر بن عبيد الله، قال: رماهم بفارس العرب وفتاها. فجمع الخوارج له، وأعدوا واستعدوا، ثم أتوا سابور (2). فسار إليهم حتى نزل منهم على أربعة فراسخ، فقال له مالك بن أبي حسان الأزدي: إن المهلب كان يذكى العيون، ويخاف البيات، ويرتقب الغفلة، وهو على أبعد من هذه المسافة منهم.
فقال عمر: اسكت، خلع الله قلبك! أتراك تموت قبل أجلك! وأقام هناك، فلما كان ذات ليلة بيته الخوارج، فخرج إليهم فحاربهم حتى أصبح، فلم يظفروا منه بشئ.
فأقبل على مالك بن أبي حسان، فقال: كيف رأيت؟ فقال: قد سلم الله، ولم يكونوا