فإن خير الزاد التقوى، والسلام على من اتبع الهدى (1).
فلما أظهر نافع مقالته هذه، وانفرد عن الخوارج بها، أقام في أصحابه بالأهواز يستعرض الناس، ويقتل الأطفال، ويأخذ الأموال، ويجبي الخراج، وفشا عماله بالسواد، فارتاع لذلك أهل البصرة، واجتمع منهم عشرة آلاف إلى الأحنف، وسألوه أن يؤمر عليهم أميرا يحميهم من الخوارج، ويجاهد بهم، فأتى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو المسمى ببة، فسأله أن يؤمر عليهم - وببة يومئذ أمير البصرة من قبل ابن الزبير - فأمر عليهم مسلم بن عبيس بن كريز، وكان دينا شجاعا، فلما خرج بهم من جسر البصرة، أقبل عليهم، وقال: أيها الناس، إني ما خرجت لامتيار (2) ذهب ولا فضة، وإني لأحارب قوما إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا السيوف والرماح، فمن كان شأنه الجهاد، فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع.
فرجع نفر يسير، ومضى الباقون معه، فلما صاروا بدولاب (3) خرج إليهم نافع وأصحابه، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسرت الرماح: وعقرت الخيل: وكثر الجراح والقتل، وتضاربوا بالسيوف والعمد (4)، فقتل ابن عبيس أمير أهل البصرة، وقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج: وادعى قتله سلامة الباهلي، وكان نافع قد استخلف عبيد الله ابن بشير بن الماحوز السليطي اليربوعي، واستخلف ابن عبيس الربيع بن عمرو الأجذم الغداني اليربوعي، فكان الرئيسان من بنى يربوع، فاقتتلوا بعد قتل ابن عبيس ونافع قتالا شديدا نيفا وعشرين يوما، حتى قال الربيع لأصحابه: إني رأيت البارحة كأن يدي