وأمسك عن هذا القول قبل أن يشيع ويظهر عنك قول لا تستطيع رده، فقال: لا والله لا أسره أبدا. ثم قام فتكلم به، فقال الناس: صدق صدق! القول ما قال، والرأي ما رأى. فأيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام.
* * * قال نصر: (1) وحدثني محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: كان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله، فقال له: يا جرير، إني قد رأيت رأيا، قال: هاته، قال: اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة، وأسلم له هذا الامر، وأكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب ما أردت أكتب معك (2).
فكتب معاوية بذلك إلى علي، فكتب علي عليه السلام إلى جرير:
أما بعد، فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك ويبطئك حتى يذوق أهل الشام، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن أستعمل معاوية على الشام، وأنا حينئذ بالمدينة، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلا فأقبل والسلام.
* * * قال نصر: وفشا (3) كتاب معاوية في العرب، فبعث إليه الوليد بن عقبة:
معاوي إن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالصوارم والقنا * ولا تك موهون الذراعين وانيا (4) وإن عليا ناظر ما تجيبه * فأهد له حربا تشيب النواصيا