فخرج عبد الرحمن، فأقبل على لابن أبي وقال: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بنى تميم على وظلمه لي! فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك، قال: يا بنى فما عسيت أن تعلم؟ فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم، قال: ان ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه، قلت: يا أبت، أفلا تجلى عن فعله (1) بموقف في الناس تبين ذلك لهم؟ قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت انه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم! اذن يرضخ (2) رأس أبيك بالجندل. قال ابن عمر: ثم تجاسر والله فجسر، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إن بيعة لابن أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه.
وروى الهيثم بن عدي، عن مجالد (3) بن سعيد، قال: غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أساله عن شئ بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله، فأتيته وهو في مسجد حيه وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج فتعرفت إليه، وقلت: أصلحك الله! كان ابن مسعود يقول: ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة، قال: نعم، كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضا - وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها، ويصرفها عن غيرهم - فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر لابن أبي بكر وعمر، فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب (4) على لابن أبي بكر، فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل،