إلى الكوفة فبعث الجيش إلى المدينة، فمثلنا ومثله، كما قال الأول: * أريها السها وتريني القمر (1) * فبلغ ذلك معاوية، فغضب وقال: والله لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يحسن التدبير، ولا يدرى سياسة الأمور. ثم كف عنه.
* * * قلت الوليد كان لشدة بغضه عليا عليه السلام القديم التالد، لا يرى الأناة في حربه، ولا يستصلح الغارات على أطراف بلاده، ولا يشفى غيظه، ولا يبرد حزازات قلبه الا باستئصاله نفسه بالجيوش، وتسييرها إلى دار ملكه، وسرير خلافته، وهي الكوفة، وأن يكون معاوية بنفسه هو الذي يسير بالجيوش إليه، ليكون ذلك أبلغ في هلاك علي عليه السلام، واجتثاث أصل سلطانه، ومعاوية كان يرى غير هذا الرأي، ويعلم ان السير بالجيش للقاء علي عليه السلام خطر عظيم، فاقتضت المصلحة عنده، وما يغلب على ظنه من حسن التدبير، ان يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه، ويسرب الغارات على اعمال علي عليه السلام وبلاده، فتجوس خلال الديار وتضعفها، فإذا أضعفتها أضعفت بيضة ملك علي عليه السلام، لان ضعف الأطراف يوجب ضعف البيضة، وإذا أضعفت البيضة كان على بلوغ ارادته، والمسير حينئذ - ان استصوب المسير - أقدر.
ولا يلام الوليد على ما في نفسه، فان عليا عليه السلام قتل أباه عقبة بن لابن أبي معيط صبرا (2) يوم بدر وسمى الفاسق (3) بعد ذلك في القرآن، لنزاع وقع بينه وبينه،